قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [1]
التسمية
سمى النبي محمد سورة الفلق بقل أعوذ برب الفلق، فقد روى النسائي عن عقبة بن عامر قال: اتبعت رسول الله وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني يا رسول الله سورة هود وسورة يوسف فقال: لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، وقد عنونها البخاري في صحيحه صحيح البخاري سورة قل أعوذ برب الفلق، وجاء في بعض كلام الصحابة تسميتها مع سورة الناس بالمعوذتين، فقد روى أبو داود والترمذي وأحمد بن حنبل عن عقبة بن عامر قال: أمرني رسول الله أن أقرأ بالمعوذات أي: آيات السورتين، وفي رواية بالمعوذتين في دبر كل صلاة، ولم يذكر أحد من المفسرين أن الواحدة منهما تسمى المعوذة بالإفراد، وقد سماها ابن عطية سورة المعوذة الأولى .
وسميت في أكثر المصاحف ومعظم كتب التفسير بسورة الفلق، وفي الإتقان: أنها وسورة الناس تسميان المشقشقتين، أي: مسترسل القول تشبيها له بالفحل الكريم من الإبل يهدر بشقشقة، وفي تفسير القرطبي والكشاف أنها وسورة الناس تسميان المقشقشتين، وزاد القرطبي: أي تبرئان من النفاق وكذلك قال الطيبي،
فيكون اسم المقشقشة مشتركا بين أربع سور هي سورة الفلق وسورة الناس
وسورة التوبة وسورة الكافرون [2].
سبب النزول
وقال الواحدي قال المفسرون إنها نزلت بسبب أن لبيد بن الأعصم سحر النبي، وقد قيل: إن سبب نزولها والسورة بعدها أن قريش ندبوا أي ندبوا من اشتهر بينهم أنه يصيب النبيء بعينه، فأنزل الله المعوذتين ليتعوذ منهم بهما، ذكره الفخر عن سعيد بن المسيب .
تفسيرها
بإسناده عن ابن عباس في قول القرآن: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ يقول قل يا محمد امتنع ويقال أستعيذ برب الفلق برب الخلق ويقال الفلق هو الصبح ويقال جب في النار ويقال هو واد في النار. مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ من شر كل ذي شر خلق وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ من شر الليل إذا دخل وأدبر وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ المهيجات الآخذات الساحرات النافخات وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ لبيد بن الأعصم اليهودي إذ حسد النبي فسحره وأخذه عن عائشة.[3]
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ أي قل: أستعيذ برب المخلوقات، ومبدع الكائنات، من كل أذى وشر يصيبني من مخلوق من مخلوقاته طرّا. ثم خصص من بعض ما خلق أصنافا يكثر وقوع الأذى منهم فطلب إليه التعوذ من شرهم ودفع أذاهم، وهم:
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ أي ومن شر الليل إذا دخل وغمر كل شيء بظلامه، والليل إذا كان على تلك الحال كان مخوفا باعثا على الرهبة - إلى أنه ستار يختفى في ظلامه ذوو الإجرام إذا قصدوك بالأذى - إلى أنه عون لأعدائك عليك.
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ أي ومن شر النمامين الذين يقطعون روابط المحبة، ويبددون شمل المودة، وقد شبه عملهم بالنفث، وشبهت رابطة الوداد بالعقدة، والعرب تسمى الارتباط الوثيق بين شيئين عقدة، كما سمى الارتباط بين الزوجين: (عقدة النكاح). فالنميمة تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة بالوسائل الخفية التي تشبه أن تكون ضربا من السحر، ويصعب الاحتياط والتحفظ منها فالنمام يأتي لك بكلام يشبه الصدق، فيصعب عليك تكذيبه، كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أن يحل عقدة المحبة بين المرء وزوجه، إذ يقول كلاما ويعقد عقدة وينفث فيها، ثم يحلها إيهاما للعامة أن هذا حل للعقدة التي بين الزوجين. قال الأستاذ الإمام ما خلاصته: قد رووا هاهنا أحاديث في أن النبي سحره لبيد بن الأعصم، وأثّر سحره فيه حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله، أو يأتي شيئا وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك، وأخرجت موادّ السحر من بئر، وعوفى مما كان نزل به من ذلك ونزلت هذه السورة. ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه الصلاة والسلام - ماس بالعقل آخذ بالروح، فهو مما يصدق قول المشركين فيه: « إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا » (سورة الأنعام:47). والذي يجب علينا اعتقاده أن القرآن المتواتر جاء بنفي السحر عنه عليه الصلاة والسلام، حيث نسب القول بإثبات حصوله له إلى المشركين ووبخهم على ذلك. والحديث على فرض صحته من أحاديث الآحاد التي لا يؤخذ بها في العقائد، وعصمة الأنبياء عقيدة لا يؤخذ فيها إلا باليقين، ونفى السحر عنه لا يستلزم نفي السحر مطلقا، فربما جاز أن يصيب السحر غيره بالجنون، ولكن من المحال أن يصيبه، لأن الله عصمه منه. إلا أن هذه السورة مكية في قول عطاء والحسن وجابر، وما يزعمونه من السحر إنما وقع بالمدينة، فهذا مما يضعف الاحتجاج بالحديث، ويضعف التسليم بصحته. وعلى الجملة فعلينا أن نأخذ بنص الكتاب، ونفوض الأمر في الحديث ولا نحكمه في عقيدتنا ا هـ.
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ أي ونستعيذ بك ربنا من شر الحاسد إذا أنفذ حسده، بالسعي والجدّ في إزالة نعمة من يحسده، فهو يعمل الحيلة، وينصب شباكه، لإيقاع المحسود في الضرر، بأدق الوسائل، ولا يمكن إرضاؤه، ولا في الاستطاعة الوقوف على ما يدبره، فهو لا يرضى إلا بزوال النعمة، وليس في الطوق دفع كيده، وردّ عواديه، فلم يبق إلا أن نستعين عليه بالخالق الأكرم، فهو القادر على ردّ كيده، ودفع أذاه، وإحباط سعيه.[4]، نسألك اللهم وأنت الوزر والنصير، أن تقينا أذى الحاسدين، وتدفع عنا كيد الكائدين، إنك أنت الملجأ والمعين.
المراجع
^ القرآن الكريم - سورة الفلق.
^ المكتبة الإسلامية: تفسير التحرير والتنوير
^ الحديث النبوي.
^ في ظلال القرآن - سيد قطب