موضوع: باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها الثلاثاء أبريل 04, 2017 5:45 pm
باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها .
قال في القاموس المحيط: تابَ إلى الله تَوْبًا وتَوْبَةً ومَتابًا وتَابَةً وتَتْوِبَةً: رَجَعَ عن المَعْصيَة وهو تائِبٌ وتَوَّابٌ، وتابَ الله عليه: وفَّقَه للتَّوبةِ، أو رَجَعَ به من التَّشْدِيد إلى التَّخْفيفِ، أو رجَعَ عليه بِفَضْلِهِ وقبوله، وهو تَوَّابٌ على عبادِه؛ انتهى.
في الصحاح: التوبة: الرجوع من الذنب، وفي الحديث: ((النَدمُ توبَةٌ))، وكذلك التَّوْبُ مثله، وقال الأخفش: التَّوْبُ جمع توبَةٍ، وتاب إلى الله توبةً ومتابًا، وقد تاب الله عليه: وَفَّقَهُ لها، واستتابَهُ: سأله أن يتوب.
وأصل التَّوبة في اللغة: النَّدم؛ فالله التَّائب على عبده يقبل ندمه، والعبد تائب إلى الله يندم على معصيته، والتَّوبة رجوع عما سلف بالنَّدم عليه، والتَّائب صفة مدح؛ لقوله: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ﴾ [التوبة: 112]، فلا يُطلق اسم تائب إلاَّ على مُستحق للمدح من المؤمنين، وقيل: حقيقة التَّوبة الرُّجوع، والأوَّابُ الرَّاجع عن ذنبه، والأوْبَة الرُّجوع.
وقي تاج العروس: أَصْلُ تَابَ: عادَ إلى اللهِ ورَجَعَ وأَنَابَ، وتَابَ اللهُ عليه؛ أَيْ: عَاد بالمَغْفِرَةِ، أَوْ وَفَّقهُ للتَّوْبَة، أَوْ رَجَعَ به مِن التَّشْديد إلى التَّخْفِيف، أَوْ رجَع عليه بفَضْلِه وَقَبُولِه، وكُلُّها معانٍ صَحِيحَةٌ وَارِدَةٌ، وهُوَ - أي اللهُ تَعَالى - تَوَّابٌ يَتُوبُ عَلَى عِبَادِه بفَضْله إذَا تَابَ إليه منْ ذَنْبِه.
حديث عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لَلَّهُ أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلاً، وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه، فنام نومة، فاستيقظ، وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده))؛ أخرجه البخاري.
أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبدالله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن حماد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدا الله بِسْطَان لمسيء الليل ليتوب بالنهار، ولمسيء النهار ليتوب بالليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))، هذا حديث صحيح.
حدثنا آدم حدثنا شعبة عن الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعدُ))؛ رواه البخاري.
(والتوبة معروضة بعد)؛ أي: إن باب التوبة مفتوح لكل مذنب ارتكب معصية أو أذنب ذنبًا ويريد أن يتوب منه، فهي معروضة عليه (أي التوبة) بعد ارتكاب ذلك المحرَّم.
وعن أبي عبدالرحمن عبدالله بنِ عمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الله عز وجل يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ))؛ رواه الترمذي، وَقالَ: حديث حسن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما لم يغرغر)؛ يعني: أنه عند الغرغرة، وهي مأخوذة من إدخال الشراب في الفم وردِّه الى أصل الحلق، ودفعه بواسطة الزفير، فلا يبلغ البلعوم، فيكون بمنزلة القيء يتغرغر به المريض، والغرغرة هي الحشرجة عند وصول الروح إلى الحلقوم، عندها يتيقن الإنسان أن الموت قد حل به، وقد غُلب على نفسه، وأنه لا يرجو حياة بعد ذلك؛ لأنه صار في حيز اليأس من الحياة، فلا يُعتدُّ بالتوبة في مثل هذه الأحوال؛ لأنها توبة اضطرار، قال تعالى: ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 188].
والسر في عدم قبولها حين اليأس من الحياة؛ لأنه من شروطها عزم التائب على ألا يعود لارتكاب الذنوب والمعاصي؛ وذلك لا يتحقق إلا حين تمكُّن التائب من العيش، وبيده القدرة على الاختيار، أما بعد حصول اليأس والوصول إلى الغرغرة فيكون أوان الاختيار مفقودًا.
وفي الصحيح أنه قال: ((يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم؛ فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثرَ من سبعين مرة))؛ رواه البخاري.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عاصم الأحول، قال: سمعت عبدالله بن سرجس، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت معه من طعامه، فقلت: (غفر الله لك يا رسول الله، فقلتُ: أستغفر لك؟ فقال: ((نعم، ولكم))، وقرأ: ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19]، ثم نظرْتُ إلى نُغْضِ كتفه الأيمن أو كتفه الأيسر - شعبة الذي يشك - فإذا هو كهيئة الجُمع عليه الثَّآليلُ).
رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، من طرق، عن عاصم الأحول، به.
وعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ، قَالَ: أتيت صفوان بن عسال رضي الله عنه أسأله عن المسح على الخفين، فقال: ما جاء بك يا زِرُّ؟ فقلت: ابتغاء العلم، فقال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب، فقلت: إنه قد حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنْتَ امرأً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فجئْتُ أسألك: هل سمعْتَه يذكر في ذلك شيئًا؟ قال: نعم، كان يأمرنا إذا كنا سَفْرًا أو مسافرينَ ألاَّ ننزع خفافنا ثلاثةَ أيام ولياليَهن إلا من جنابة، لكنْ من غائط وبول ونوم، فقلت: هل سمعتَه يذكر في الهوى شيئًا؟ قال: نعم، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جَهْوَرِيٍّ: يا محمد، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوًا من صوته: ((هَاؤُم))، فقلت له: ويحك! اغضض من صوتك؛ فإنك عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نُهيتَ عن هذا! فقال: والله لا أغضض، قال الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحَقْ بهم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرء مع من أحب يوم القيامة))، فما زال يحدثنا حتى ذكر بابًا من المغرب مسيرةُ عَرْضِه أو يسيرُ الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عامًا، قال سفيان أحد الرواة: قِبَل الشام، خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، مفتوحًا للتوبة، لا يُغلَق حتى تطلع الشمس منه؛ رواه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن صحيح.