موضوع: حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته . الثلاثاء أبريل 04, 2017 8:28 pm
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. ثم أما بعد:
إخوتي الكرام؛ ومع حق آخر من حقوق الإسلام العظيمة ، التي أوجب الإسلام على أتباعه رعايتها وأداءها وصيانتها، مع حق عظيم جليل، لا يتم الإيمان إلا بأدائه ولا تكون النجاة إلا برعايته؛ إنه حق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولتعلمَ قيمة هذا الحق وعِظَمَه، تعرّف على قيمة صاحب هذا الحق ومكانته وقدْره.. لتعلمَ أنّ حقه من أعظم الحقوق بعد حق الله ربّ العالمين سبحانه، كيف لا؛ وهو حقالمصطفى وكفى.
كيف لا يكون حقه عظيما؛ وهو الحبيب المصطفى، والرسولُ المجتبى، والنبيّ المرتضى، خاتم الرسل، وخِيرة الأنبياء، وسيد الخلق، وشفيع الأنام.. هو صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، أشرفُ حاضر وباد، وأجلّ مصلح وهاد...
إنه الحبيب المصطفى؛ جليلُ القدر، مشروح الصدر، مرفوع الذكر، رشيد الأمر، القائم بالشكر، المحفوظ بالنصر، البريء من الوزر، المبارك في كل عَصر، المعروف في كل مِصر... فعنه يقول سبحانه: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 11، 44].
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسول الذي بشّرَتْ به الرسل، وأخبرَتْ به الكتب، وحَفَلتْ باسمه التواريخ، وتشرّفتْ به النوادي، وتضوّعتْ بذكره المجامع، وصدَحَت بذكراه المنائر، ولجلجت بحديثه المنابر... فعنه يقول سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 1466].
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسولُ الذي عُصِم من الضلالة والغواية، وحُفِظ من الزيغ والهوى، فكلامُه شريعة، ولفظه دين، وسنته وَحي... فعنه يقول سبحانه: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 2 - 44].
إنه الحبيبُ المصطفى؛ نعمة ربانية، ومنة إلهية، منّ الله بها على عباده رحمة وتكرّما منه وفضلا.. فعنه يقول ربنا سبحانه: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 1644].
فهلْ مِن نعمة أعظم من نعمة الهداية؟ هلْ مِن نعمة أجلّ من نعمة الإيمان؟ هلْ مِن نعمة أفضل من نعمة الإسلام؟.. كلا، كلا، فلا فلاحَ ولا نجاة للإنسان دون الهداية إلى طريق الإسلام والإيمان الذي دلنا عليه محمد صلى الله عليه وسلم.
إنه الحبيب المصطفى؛ رسالته نعمة لا تقدّرُ بثمن، رسالة رحمةٍ ومحبة وسعادة ونجاة وفلاح. رسالة لا يَلفها الظلام، ولا يَحجُبها الغمام، عَبَرَتِ البحار، واجتازت القفار، ونزلت على العالم نزول الغيث النافع، وأشرقت إشراق الشمس الساطعة المضيئة... وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «لَيَبْلغَنَّ هَذَا الأمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إلاَّ أدْخَلَهُ اللَّهُ هَذا الدِّينَ، بعِزِّ عَزِيزٍ أوْ بذلِّ ذلِيلٍ، عِزّا يُعِزّ اللَّهُ بهِ الإِسْلاَمَ، وَذلاّ يُذِلّ اللَّهُ بِهِ الكُفرَ». أخرجه الإمام أحمد والحاكم عَنْ تمِيمٍ الدّارِيِّ. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرّجاه، ووافقه الذهبي.
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسول الذي اصطفاه الله واجتباه، فاختاره ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا، وللأمة كلها نبيا ورسولا. فقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28]. وقال عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 466].
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسول الذي اصطفاه الله واجتباه، فخصّة بالسيادة والشفاعة يوم القيامة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أنَا سَيِّدُ وَلدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأوَّلُ مَنْ يَنْشَقّ عَنْهُ القبْرُ، وَأوَّلُ شَافِعٍ وَأوَّلُ مُشَفع».
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسول الذي اصطفاه الله واجتباه، فجعله خاتم الأنبياء والرسل، أتم الله ببعثتة النعمة على البشرية؛ فبرسالته ختمت الرسالات السماوية، وبنبوته ختمت النبوة، فلا نبي بعده، ولا رسول بعده، ومن ادعى النبوة بعده فهو سفيه أحمق دجّال.. قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 400].
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسول الذي اصطفاه الله واجتباه، فأنزل عليه خيرَ الكتب، وأصدق الكتب، وهو القرآن الكريم... فمن أراد أن يتعرف على قدر المصطفى ومكانته فليقرأ القرآن الكريم؛ فهو أعظم هدية قدمها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من عند ربه سبحانه. ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 299].
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسول الذي اصطفاه الله واجتباه، فبعثه بالدين الإسلامي العظيم، دين الفطرة، دين الوسَط، دين الفلاح والنجاة، الدين الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه، ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]. ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 855]. روى مسلم في صحيحه عَنْ أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لاَ يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأمَّةِ؛ يَهُودِيّ وَلاَ نَصْرَانِيّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أرْسِلتُ بِهِ، إلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار».
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الذي جاءنا بهذا الدين العظيم؛ الدين الذي جاء لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة، فقد قال ربنا سبحانه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 977].
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسول الذي اصطفاه الله واجتباه، فأرسله رحمة للعالمين، فقال عنه ربنا سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 1077].
فهو رحمة للإنسان؛ إذ عرّفه بالرحمان، وسكب في قلبه نورَ الإيمان، ودَله على طريق الجنان... هو رحمة للشيخ الكبير؛ إذ سهَّل له العبادة، وأرشده لحُسن الخاتمة، وأيقظه لتدارُكِ العُمُر واغتنامِ بقية الأيام... وهو رحمة للشابِّ؛ إذ هداه إلى أجملِ أعمال الفتوَّة، وأكمَل خِصال الصِّبا؛ فوجَّه طاقته لأنبل السَّجايا وأجلِّ الأخلاق...
وهو رحمة للطفل؛ إذ سقاه مع لبنِ أمِّه دِينَ الفطرة، وألبَسه في عهد الطفولة حُلَّة الإيمان.. كان يحمل الصبيان ويقبّلهم، ويتركهم يركبون على ظهره، ويضعهم في حِجره، ويحملهم على عاتقه، وكان يلوم من يقسو عليهم ولا يَرْفق بهم..
وهو رحمة للمرأة؛ إذ أنصَفها في عالم الظلم، وحفِظ حقها في دُنيا الجَوْر، وصانَ جانبها في مهرجان الحياة، وحفِظ لها عفافها وشرَفها ومستقبلها، فعاش أبًا للمرأة، وزوجًا، وأخًا ومُربِّيًا..
وهو رحمة لليتيم؛ إذ كان يخصّه برحمة تعوّضه عن حنان أبيه أو أمه، وكان يوصي بالإحسان إليه، والعطف عليه، ورحمةِ حاله، ويبيّن الأجر الجزيل والثواب الكبير لمن تولى كفالة يتيم أو أحسن إليه..
وهو رحمة للفقير والمسكين، والأرملة والمحتاجة؛ إذ كان يزور ضعفاء المسلمين ويُلاطفهم ويؤانسهم، ويجلس معهم، ويعود مرضاهم، ويحضر جنائزهم، وكان يوصي بالإحسان إليهم، ويَعِدُ مَن نفسَ عنهم كرْبة من كرَب الدنيا بأن ينفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وأن من يسر عليهم في الدنيا يسّر الله عليه يوم القيام، وأنّ من تصدق عليهم بصدقة عوّضه الله عنها خيرا منها في الدنيا والآخرة...
وهو رحمة للخدَم والعُمّال؛ إذ كان يهتمّ بأمورهم وشؤونهم، لأنهم مَظنّة وقوع الظلمِ عليهم والاستيلاءِ على حقوقهم، فكان يُقرّرُ بأنهم الإخوان الذين جعلهم الله تحت اليد، فمن كان أخوه تحت يده فليطعِمْه مما يأكل، وليُلبسه مما يَلبَس، وألا يُكلفه من العمل ما يَغلبه، فإن كلفه فليُعِنه..
وهو صلى الله عليه وسلم رحمة للولاة والحُكام؛ إذ وضَع لهم ميزان العدالة، وحذرهم مِن متالف الجَوْر والظلم والتعسّف، وحدَّ لهم حدود التبجيل والاحترام والطاعة في طاعة الله ورسوله...
وهو رحمة للرعيَّة؛ إذ وقف مدافعًا عن حقوقها، مُحَرِّمًا الظلمَ والعدوان، ناهيًا عن السَّلب والنَّهْب والسَّفك، والابتزاز والاضطهاد والاستبداد...
وهو رحمة لأعدائه؛ فكم لقي من سفهاءِ قريش وأشِدّائِهم من الغلظة والسفاهة والجفاء والأذى، وهو صابرٌ متحمّل محتسب متسامح، مُصِرّ على دعوتهم وإرشادهم إلى طريق النجاة والفلاح... قيل له: يا رسول الله؛ ادْعُ على المشركين. قال: «إني لم أبعَثْ لعّانا، وإنما بعثتُ رحمة». رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إذاً، فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم رحمة للجميع، ونعمة على الكُلّ، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 1077]. فسبحانَ مَن اجتباه واصطفاه، وتولاه وحَمَاه، ورَعاه وكفاه، ومِن كل بلاء حسن أبلاه..
هو الحبيب الذي ثبّت الله قلبه فلا يزيغ، وسدّد كلامه فلا يجهل، وحفظ عينه فلا تخون، وحصّن لسانه فلا يَزل، ورعى دينه فلا يَضل، وتولى أمره فلا يضيع، فهو محفوظ مبارك ميمون، سجاياه طاهرة، وطبيعته فاضلة، وخصاله نبيلة، ومواقفه جليلة، وأخلاقه عظيمة... وقد قال عنه ربنا سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 44].
واللهِ، إنك يا رسول الله لعظيمُ الأخلاق، كريمُ السّجايا، مهذَّب الطِّباع، نقيّ الفطرة.. والله، إنك جَمّ الحياء، حيّ العاطفة، جميل السيرة، طاهر السريرة.. والله، إنك قمة الفضائل، ومنبَع الجود، ومَطلع الخير، وغاية الإحسان..
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؛ البسمةُ على محيَّاك، البِشْر على طَلْعتِك، النور على جبينِك، الحبّ في قلبك، الجودُ في يدِك، البَرَكة فيك، الفوزُ معك...
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؛ لا تكذِبُ ولو أنّ السيفَ على رأسك، ولا تخونُ ولو حُزْتَ الدنيا، ولا تغدِرُ ولو أُعطِيتَ المُلك؛ لأنك نبيّ معصوم، وإمام قدوة، وأسوة حسنة...
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؛ صادقٌ ولوْ قابلَتْك المَنايا، وشجاعٌ ولو قاتَلْتَ الأسُود، وجَوَادٌ ولو سُئِلْتَ كل ما تملِكُ؛ فأنت المثالُ الراقي، والرمز السامي...
إنه الحبيب المصطفى؛ الرسولُ الحريصُ على هداية أمته.. تعب من أجل هداية أمته، وأوذي فصبر من أجل هداية أمته، ما مِن خير إلا ودلّ الأمة عليه، وما من شرّ إلا وحذر الأمة منه.. فعنه يقول ربنا سبحانه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 1288].
لقد كان عليه الصلاة والسلام يتألم لآلام قوْمه، ويَصبر على أذاهم، ويفرح بهدايتهم، ويخشى عذابَ الله عليهم، كان يدعو لهم ولا يدعو عليهم.. روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ [إبراهيم: 366]، وقال عيسى عليه السلام: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 1188]. فرفع يديه، وقال: «اللهم أمتي أمتي». وبكى صلى الله عليه وسلم. فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمد - ورَبّك أعلم - فسَله ما يبكيه». فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله: «يا جبريل؛ اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك».
وها هو عليه الصلاة والسلام يُجَسّدُ لنا حِرصَه على إنقاذ أمته من الهلاك والضلال فيقول: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوْقدَ نارا، فجعل الجنادِب والفراش يقعْنَ فيها، وهو يَذُبّهن عنها؛ وأنا آخِذٌ بحُجَزِكم عن النار، وأنتم تفَلَّتُون مِن يَدِي». رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه.
ولكل نبيّ من الأنبياء عليهم السلام دعوة مستجابة، دَعَوْا ربهم فاستجاب الله تعالى دَعَوَاتِهم، وأعطاهم مسائلهم، إلا رسولنا صلى الله عليه وسلم فإنه ادّخرَ دَعْوَته شفاعة لأمته في موقفٍ هُمْ أحوَجُ ما يكونون إلى شفاعتِه، فصلوات ربي وسلامه عليه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبيّ دعوة مستجابة، فتعجّلَ كل نبيّ دعوَته، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله مَنْ ماتَ مِنْ أمّتي لا يشركُ بالله شيئا».
فاللهم ثبتنا على طريق حبيبنا حتى نلقاه. اللهم ألحقنا به طائعين ثابتين سالمين، لا مبدلين ولا مغيرين، ولا ضالين ولا مضلين، ولا فاتنين ولا مفتونين، يا رب العالمين. اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين، وصل على سيدنا محمد في الآخرين، وصل على سيدنا محمد في الملإ الأعلى إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا يا رب العالمين. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن باقي الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، وأصلح أحوال المسلمين، واشف مرضى المسلمين أجمعين. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك المؤمنين. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.