قسوة القلب
مهما بلغ أحدنا من الإيمان ومن العلاقة الطيبة برب العالمين، فإنه تأتيه لحظات، ساعات، أيام، أسابيع، يقسو فيها قلبه، وتكون نتيجة لمسببات عدة؛ منها الذنوب والأحداث ومآسي إخواننا التي تجري حولنا، والنقاشات والجدل - حتى وإن كنا نناقش من في منهجهم خلل واضح اتفق عليه علماء الأمة - وضغوط الحياة والأشغال، ومسؤوليات المنزل والعائلة، والانغماس في الملذات والطيبات - حتى المباح منها - فإن كثرته تميت القلب، ومنها كثرة الضحك والهزل، والمبالغة في طلب الدنيا، حتى إن الانشغال الزائد في العمل الخيري أحيانًا يكون سببًا لقسوة القلب؛ لأنه يؤثر بطريقة غير مباشرة على عبادة المرء.
ملاحظة: ولكي لا يُساء فهم مقصودي، فنحن نتكلم هنا أولًا عن الصالحين والعباد والأتقياء قبل المقصرين والعصاة؛ فهُم أكثر من يستشعر هذه الغصة؛ لأنهم اعتادوا على التلذذ بالراحة التي يستشعرها المؤمن ذو القلب الحي، أما نحن، فلكثرة معاصينا - نسأل الله أن يعفو عنا - فقد اعتدنا على قسوة القلوب.
وكما ورد في الحديث الصحيح لقصة أبي بكر وحنظلة رضي الله عنهما: "نافَقَ حنظلة"!
من الطيب أن يعمل المرء على تجديد إيمانه من فترة لفترة، تتباعد وتقترب بحسب درجة صلاح المرء وتقواه؛ فمن الناس من يعمل عليها يوميًّا ويراجع قلبه أولًا بأول، ومن الناس من يتابع أسبوعيًّا.
الطرق كثيرة ومتعددة، ومن أهمها: الإكثار من قراءة القرآن وتدبره، والتدبر في عظمة الله وعظمة خلقه سبحانه وتعالى، وقراءة الأحاديث النبوية وبالأخص أبواب الرقائق. اذهب لأحد الصالحين واطلب منه أن يعظك "اجلدني"، وللأسف كثير منا يتضايق من النصيحة، ويتحسس قراءة كتب الرقائق..
وينصح العارفون بكتب ابن قيم الجوزية رحمه الله؛ فأسلوبه جميل وبسيط وسلس وممتع، ولعل الغالبية يعرفونه، ولكن من باب التذكير، فهو يأخذك بعيدًا إلى عالم آخر، بعيدًا عن المدنية والتلوث والضجيج، وله مؤلفات عديدة متنوعة ومشوقة جدًّا لنا نحن العامة، وهذا مجرد مقترح وإلا فإن المؤلفات له ولغيره كثيرة.
هل تعلم أنه تكلم عن سورة الفاتحة في كتابه "مدارج السالكين" فيما يقارب 150 صفحة! تلك السورة التي نعرف جميعًا أهميتها وعظمتها، ولكن للأسف فبرغم أننا نقرؤها عدة مرات في اليوم والليلة فنحن نجهل معلومات كثيرة عنها.
في معظم المكتبات، هناك قسم مختص بكتبه، منها كتاب "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" المعروف بـ "الداء والدواء"، سبب تأليف الكتاب هو سؤال واحد فقط وُجِّه إليه رحمه الله، وكتاب "الروح".
أسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان، وأن يزينه في قلوبنا، وأن يعمر قلوبنا به.
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].