بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
1 - الصيام يساهم فى جمع الأمة الإسلامية بكل دولها ومذاهبها.
حيث يتفق جميع أبناء الأمة فى العالم كله على أن الصيام فى رمضان واجب وليس نافلة ، وأنه واجب فى شهر رمضان وليس فى أي شهر آخر غير رمضان ، كما يتفقون على أن الصيام من الفجر إلى المغرب وليس من الفجر إلى الظهر في مذهب أو إلى العصر فى مذهب ثان ، أو بين العصر إلى الفجر فى مذهب آخر ، كما أن جميع المسلمين يُمسكون عن المفطرات نفسها من طعام وشراب وجماع ، ولا أحد من مذاهبها يجيز شيئا من ذلك ، وهذا هو الذي يجعل كل عاقل من الأمة ينظر إلى نقاط الاتفاق والوفاق التي تمثل جذع الشجرة بجذورها العميقة المستندة إلى النصوص القطعية في القرآن والسنة مما لا يختلف عليه أحد من المسلمين ، لكن فروعا عديدة في الفقه مثل فروع الشجرة الممتدة شرقا أو غربا ، شمالا وجنوبا، هذه خصائص الشجرة ، حيث يكون لها جذع واحد، وفروع عديدة، فمن الفروع الفقهية كيفية ثبوت الهلال بالعين المجردة أو الحساب الفلكي أو العين المجردة ما لم ينفها الحساب الفلكي ، وهذه الآراء الثلاثة خلافية داخل كل المذاهب الكبرى ، وكذا عدد الشهود لهلال رمضان أو شوال . هذه الثوابت مع الفروع تعد جزءاً من مرونة الإسلام ، واحترامه لاختلاف العقول ، وأساليب الاستنباط.
2- يحرص كثير من المسلمين الميسورين على إخراج زكاة أموالهم في رمضان.
وذلك طمعاً في مضاعفة الأجر، وهذا له تأثير كبير على الدولة والأمة الإسلامية في جوانب كثيرة منها ما يلي :
أ – علاج مشكلات البطالة والجريمة فى آن واحد .. كيف ؟
إن السياج الإيماني للزكاة والصيام يعالج البطالة التي تؤدي غالبا إلى الجريمة على النحو التالي:
- يعتقد كل قادر على الكسب أن الزكاة أوساخ الناس له في الدنيا ، ونكتة سوداء في وجهه في الآخرة كما ورد عن رسول الله r في أحاديث عديدة، فيندفع إلى العمل والكسب دون أن يكون عالة على غيره.
- ومن عنده طاقة للعمل ولا يجد مالا أو آلة حرفة فالأصل أن يُعطى شبكة لا سمكة ، ويتحول من الاستهلاك للمال والأحقاد على المجتمع والدولة إلى المنتج المشارك في بناء المجتمع والأمة.
- ومن كان فقيراً ضعيفاً لا يقدر على العمل فلا خلاف فى وجوب كفالته ، وحسن إعالته بما يجعله مصدر أجر وثواب ودعاء لأصحاب المال والأعمال، وهو ثراء من نوع آخر فى الدنيا والآخرة .
ب- الزكاة ومعها الصدقات الكثيرة فى رمضان تساهم فى إنهاء الفقر العالمي.
نشرت منظمة الصحة العالمية في يوليو 2006م أن هناك أكثر من 560 مليون طفل يموتون كل عام بسبب الفقر ونقص الدواء ، وهناك عشرات الملايين من الأطفال يتركون الدراسة للعمل الشاق بحثا عن كسرة خبز ، وأغنياء الأمة هم أول من يجب أن يبادروا إلى إعلان عالمي لكفالة فقراء العالم تحت شعار {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: 32).
ج- تساهم الزكاة والصدقات في تقوية الوقف الإسلامي للمساجد والمدارس والمؤسسات ذات النفع العام.
واستقرار مؤسسات النفع العام يأتى بتعاون بين الأنظمة والشعوب ، حين تخصص الأنظمة أموالاً من ميزانياتها ، ويخصص الأغنياء جزءاً من صدقاتهم للوقف الذي يتحول إلى صدقات جارية ، ويؤدي إلى استقرار ونمو وتطوير مؤسسات النفع العام فى أمة الإسلام والمسلمين.
3 - في أحكام الصيام ما يؤكد استقلال الأمة وتميزها بخصائص وأعراف وقيم وتقاليد
منها وجبة السحور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله r أنه قال الصيام مدرسة التغيير لإصلاح الأمة إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ) كما أنه يميز أمة الإسلام عن اليهود والنصارى الذين لا يتسحرون ، كما أنه لا يجوز تخصيص السبت أو الأحد بصيام اتباعا لغيرنا أو اختصار كل العبادات يوم الجمعة كما اختصرت اليهود والنصارى عباداتها يوم السبت والأحد ، وصوم يوم عاشوراء مع يوم قبله أو بعده حتى لا نشابه اليهود ، وهذا يؤكد ضرورة الاحتفاظ بخصائص الأمة الإسلامية بين الأمم مع وجوب التعاون على الخير مع أية دولة أو أمة كما أخبر النبي r: (لقد دعيت إلى حلف ابن جدعان لو دعيت لمثله فى الإسلام لأجبت)، لكن التعاون مع الغير لا يعني أن تذوب الأمة فى سياساتها وإعلامها وتعليمها واقتصادها وعاداتها الاجتماعية فى الغير ، لأننا أمة لها صبغة كما قال سبحانه {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} (البقرة: 138) .
4 - شهر رمضان والصيام يذكر بانتصارات الأمة عبر تاريخها العريق.
فأكبر نصرين في عهد النبوة غزوتا بدر وفتح مكة كانتا فى رمضان، وفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد كان فى 28 رمضان سنة 92هـ ، وموقعة عين جالوت كانت في 15 رمضان سنة 658هـ ، وكذا حرب العاشر من رمضان سنة 1383هـ .
هذه كلها نتيجة طبيعية لأن الأمة إذا تعمق الإيمان في قلوب رجالها ونسائها، وانتصرت على أهوائها وشهواتها وتجمعت صفا واحداً خلف قادتها وعلمائها فإنها قطعا تكون جديرة بالنصر والعزة والتمكين وفقا لوعد الله رب العالمين القائل : {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} (الروم : 47) ، وهذا مما يعيد إلى الأمة العربية والإسلامية الأمل قبل العمل ، ثم البذل والتضحية وجهاد أعدائهم وليس تصويب مدافعهم إلى صدور أبنائهم في الملة الواحدة.