من علامات الساعة سرعة انقضاء الزمان
إن من الملاحظ في الحقبة الأخيرة
سرعة انقضاء الأعمار ومرور الليالي والأيام .
فكم نرى ونسمع من يشتكي قلة البركة في الأعمار وكم من تمر عليه الأعوام كأنها أيام وهذا ما أخبرنا به سيد الأنام – صلى الله عليه وسلم -.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ) والسعفة هي الْخُوصَةُ)
وقد اختلف العلماء في معنى تقارب الزمان على أقوال كثيرة، وأقوى هذه الأقوال:
قال النووي: الْمُرَاد بِقِصَرِهِ عَدَم الْبَرَكَة فِيهِ، وَأَنَّ الْيَوْم مَثَلا يَصِير الانْتِفَاع بِهِ بِقَدْرِ الانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَة اهـ.
وقال الحافظ: وَالْحَقّ أَنَّ الْمُرَاد نَزْع الْبَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء حَتَّى مِنْ الزَّمَان، وَذَلِكَ مِنْ عَلامَات قُرْب السَّاعَة اهـ.
ومن التقارب المعنوي أيضاً: سهولة الاتصال بين الأماكن البعيدة وسرعته مما يعتبر قد قارب الزمان، فالمسافات التي كانت تقطع قديماً في عدة شهور صارت لا تستغرق الآن أكثر من عدة ساعات.
قال الشيخ ابن باز:: التقارب المذكور في الحديث يُفسّر بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقِصر المسافة بينها بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة وما إلى ذلك، والله أعلم اهـ
وأما التقارب الحسي؛ فمعناه: أن يقصر اليوم قصراً حسياً، فتمر ساعات الليل والنهار مروراً سريعاً، وهذا لم يقع بعد، ووقوعُهُ ليس بالأمر المستحيل، ويؤيده أن أيام الدجال ستطول حتى يكون اليوم كالسنة وكالشهر وكالجمعة في الطول، فكما أن الأيام تطول فكذلك تقصر. وذلك لاختلال نظام العالم وقرب زوال الدنيا.
إن ما نلمسه من تعاقب السنين والأعوام، وسرعة تصرم الأزمان والأيام؛ إشارة إلى معجزة نبوية، وعلامة من علامات الساعة قد أخبر عنها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما الهرج؟ قال: ((القتل، القتل))
خذ العبرة:
فلنا في الراحلين آية وأي آية، كانوا بالأمس معنا، نؤاكلهم، نشاربهم، نضاحكهم، نمازحهم، وسبحان الله ها نحن اليوم نودعهم، وفي باطن الأرض نواريهم، فارقوا الأهل والأحباب، واستبدلوا بالقصر المنيف، والمسكن الهانئ؛ بيت الدود والتراب، وأنت يا عبد الله اليوم على ظهر هذه الدنيا، وغداً أنت في جوفها، فماذا أعددت للرحيل، نسأل من الله لنا ولك النجاة يوم الدين، وأن يجعلنا ممن طالت أعمارهم، وحسنت أعمالهم، وأن لا يقبضنا إليه إلا وقد رضي عنا، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وبارك على النبي والنذير البشير.